إلى أين يتجه الاقتصاد العالمي؟ هل يقف الاقتصاد العالمي على حافة هيكل جديد تماما؟ كل ذلك سنتعرف عليه في هذه السطور التالية.
يمثل الاقتصاد الدولي الإطار الذي يجمع المعاملات الاقتصادية بين دول العالم، ويهتم بالعلاقات التجارية بين الدول وتطورات أسعار الصرف والقدرة التنافسية الاقتصادية. يسعى الاقتصاد الدولي إلى توضيح أنماط وعواقب المعاملات والتفاعلات بين سكان البلدان المختلفة، بما في ذلك التجارة والاستثمار وحركات عوامل الإنتاج. ويمكن القول أنه مهتم بدراسة العولمة بمعناها الاقتصادي.
إلى أين يتجه الاقتصاد العالمي؟
منذ عام 2009م، وكما يعلم الجميع، نفذت كبرى الاقتصادات العالمية عدة مبادرات للخروج من الأزمة المالية العالمية. وتضمنت هذه المبادرات خفض أسعار الفائدة على عملاتها (الدولار الأميركي، واليورو الأوروبي، واليوان الصيني، وغيرها) حتى وصلت إلى مستويات منخفضة تاريخياً، بالإضافة إلى تقديم حزم. سلسلة متتالية من خطط التيسير الكمي بمبالغ فلكية (من الولايات المتحدة واليابان بشكل خاص)، والتي تشكل بلا شك حوافز مهمة للاقتصادات الكبرى مكنتها من التغلب على أصعب أزمة مالية عالمية في التاريخ الحديث.
وبالإضافة إلى التغلب على الأزمة، فإن المستفيد الأكبر من هذين التحفيزين (خفض أسعار الفائدة وتنفيذ خطط التيسير الكمي) كانت الأسواق المالية العالمية التي حققت مكاسب قوية وارتفاعات تاريخية جديدة، والاقتصاد العالمي الذي نجح بدوره في التغلب على الأزمة. الحفاظ على معدلات نمو جيدة، لكن وتيرة مكاسب الأسواق المالية ونمو الاقتصاد العالمي بدأت الآن تتباطأ تدريجياً حتى أصبح من الصعب تحقيق عوائد استثمارية تتجاوز منزلتين عشريتين والحفاظ على نفس المعدلات السابقة معدلات النمو الاقتصادي في أي دولة، بما في ذلك الدول الناشئة التي قادت النمو العالمي منذ عام 2000م حتى أصبحت الصين ثاني أكبر دولة. اقتصادية في العالم متفوقة على اليابان ودول الاتحاد الأوروبي.
يواجه الاقتصاد العالمي الآن تحديات حتمية تتمثل في رفع أسعار الفائدة على العملات الرئيسية والتوقف القسري لخطط التيسير الكمي، وهو ما يعني نهاية الحوافز المهمة التي اعتمد عليها على مدى السنوات الست الماضية، وقد حان الوقت الآن اعتماد الاقتصاد العالمي فقط على قدراته الذاتية للنمو… وقت صعب للغاية أمام أزمة الديون الأوروبية التي لم يتم حلها بعد، بالإضافة إلى أزمة جديدة بدأت تطفو على السطح في الآونة الأخيرة، تتمثل في تراجع رهيب في أسعار السلع الأساسية (مثل المعادن والطاقة) مع زيادة كبيرة في مخزوناتها في تحذير استباقي من انكماش محتمل للأنشطة الصناعية المختلفة حول العالم. !!
وهذا يعني أنه إذا لم ينجح الاقتصاد العالمي في الحفاظ على النمو بقدراته الذاتية، فإنه قد يدخل قريباً في دائرة من الانكماش الاقتصادي، هي الأولى منذ فترة طويلة، في وضع سيختلف جذرياً عن الوضع الذي كان عليه. في عام 2008م عندما ظهرت الأزمة المالية العالمية، وأكثر ما أخشاه إذا حدثت. وهذا يعني أن بعض الدول ستتبع سياسات مالية توسعية وجريئة لمواجهة الانكماش المحتمل، حيث ستكون هذه السياسات التوسعية والجريئة بالتأكيد على حساب ديونها العامة التي ستشهد ارتفاعا كبيرا، أو احتياطياتها الاستثمارية التي ستشهد ارتفاعا كبيرا. تراجع دراماتيكي
هل يقف الاقتصاد العالمي على حافة هيكل جديد تماما؟
ومع دخول عام 2017 فصله الأخير، أصبحت الصورة أكثر وضوحا، وهي أن الاقتصاد العالمي يسجل نموا مطردا، كما يتضح من قيام الولايات المتحدة برفع أسعار الفائدة ثلاث مرات وتحسن معدلات التضخم في الدول المتقدمة.
كما تراجعت معدلات البطالة، وهو ما سيدعم نمو الاقتصاد العالمي هذا العام، بحسب تقرير وحدة الأبحاث الاقتصادية في مجلة الإيكونوميست، الذي توقع نموا من 2.3% العام الماضي إلى 2.8%.
ورغم ذلك، لا يمكن تجاهل أن العام الحالي لا يخلو من أحداث قد تعيد هيكلة الاقتصاد العام، إذ انقلبت المعادلة أكثر من مرة.
ومن أبرز هذه الأحداث تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، مما يعني أن أكبر اقتصاد في العالم على وشك إغلاق أبوابه أمام العالم، وتعمل الصين التي عرفت بسياستها الحمائية على وفتح أبوابها أمام التجارة العالمية والدخول في اتفاقيات تجارية، كما أنها تعتزم ربط ثاني أكبر اقتصاد في العالم بالقارة الأوروبية. من خلال مبادرة “حزام واحد، طريق واحد”.
وتواجه بريطانيا التي لا تزال عضوا في الاتحاد فوضى عارمة مع بدء عملية طلاقها رسميا من أوروبا.
كل هذه العوامل تؤدي إلى إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي، ومن منتدى خليج البحرين الذي عقده المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ناقش الخبراء تداعيات هذا المشهد الجيوسياسي المتغير على السياسات الاقتصادية وسياسات الطاقة والتجارة العالمية. وقالت علياء مبيض، مديرة برنامج الجغرافيا الاقتصادية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: أبدى المشاركون تخوفهم من التأثير السلبي للسياسات الحمائية التي تنتهجها الولايات المتحدة على حجم التجارة العالمية وتداعياتها على الأسواق النامية. والتي بدورها تعتمد بشكل كبير على الأسواق المتقدمة.
واقتصاديات الدول العربية ليست بمعزل عن هذه العوامل الخارجية، لكنها، وخاصة الخليجية منها، بدأت تتأقلم مع الواقع الجديد من خلال إطلاق خطط إصلاحية غير مسبوقة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل بعيدا عن النفط. ولكن ما هو التأثير الحالي لهذه التغيرات على اقتصادات الخليج الآن؟
وأكد ناصر السعيدي، رئيس شركة ناصر السعيدي وشركاه، أن “هناك عدم وضوح بشأن السياسات النقدية والمالية لأوروبا والولايات المتحدة”.
بعد مرور عشر سنوات على الأزمة المالية العالمية، يجد الاقتصاد العالمي نفسه في وضع يمكن أن نصفه بالممتع، رغم أنه من غير المتوقع أن يستمر لفترة طويلة – على الأقل هذا ما تتوقعه التقارير.
أداء الاقتصاد العالمي:-
ويقول صندوق النقد الدولي إن التحسن الملحوظ في أداء الاقتصاد العالمي منذ منتصف عام 2016 مستمر في نفس الاتجاه، وقد ظهر ذلك واضحا في أحدث بيانات النمو الاقتصادي التي تم الكشف عنها خلال الربع الثالث من العام الماضي.
وشهدت التجارة العالمية المزيد من الزخم خلال الأشهر الماضية، مما دعم استمرار ارتفاع الاستثمار، خاصة بين الدول المتقدمة، وعلى مستوى الصناعات، شهدت منتجاتها تحسنا، خاصة في آسيا، تزامنا مع ظهور الهواتف الذكية الجديدة، بالإضافة إلى حالة عامة من ارتفاع ثقة المستهلك، الأمر الذي أدى بدوره إلى ارتفاع أسعار الفائدة. صحية في الطلب العالمي.
وفي أسواق الأسهم والسندات، ارتفعت توقعات السوق بشأن سياسات الاحتياطي الفيدرالي منذ أغسطس الماضي، والتي دعمها رفع سعر الفائدة في ديسمبر الماضي، كما رفع بنك إنجلترا المركزي سعر الفائدة لأول مرة منذ 10 سنوات في نوفمبر. ، بالإضافة إلى قرار البنك المركزي الأوروبي بالبدء في خفض سعر الفائدة. وبدأ التيسير الكمي مع بداية العام الجاري، في حين تواصل الأسهم في الأسواق المتقدمة الارتفاع، مدعومة بتوقعات أرباح عالية للشركات.
وفيما يتعلق بأسعار النفط، شهد سعر الخام تحسنا في الأداء مع اتفاق أوبك لخفض الإنتاج وزيادة التوتر في الشرق الأوسط، مما دفع سعر الخام للارتفاع بنحو 20% منذ أغسطس الماضي حتى منتصف ديسمبر.
توقعات إيجابية
ويرى الصندوق أن التوقعات الإيجابية للنمو الاقتصادي العالمي تأتي نتيجة للنمو الاقتصادي المرتفع المتوقع في الاقتصادات المتقدمة، “حيث تعكس التوقعات ظروف مالية عالمية مواتية وتسارع الطلب، خاصة في مجال الاستثمار”.
كما أن هناك توقعات إيجابية فيما يتعلق بتأثيرات النمو الاقتصادي على زيادة كبيرة في الصادرات، وعلى مستوى الولايات المتحدة، من المتوقع أن تؤدي الإصلاحات الضريبية والتحفيز المالي إلى زيادة النمو الاقتصادي هناك.
ويرى الصندوق أن أكبر اقتصاد في العالم سينمو بنحو 2.7% في 2018، وبنحو 2.5% العام المقبل، وفي منطقة اليورو من المتوقع أن يشهد النمو الاقتصادي هناك تطورا بدعم من بعض الدول مثل ألمانيا وألمانيا. إيطاليا، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة قوية في الطلب. المحلية والخارجية.
لكن في الوقت نفسه قد يواجه النمو في دول أوروبية مثل إسبانيا تباطؤا خلال العام الحالي نتيجة لتزايد حالة عدم اليقين السياسي. ومن المتوقع أن يصل النمو الاقتصادي في العامين الحالي والمقبل إلى 2.2% و2% على التوالي في منطقة اليورو.
وتشير التقديرات إلى أن النمو الاقتصادي في إيطاليا سيرتفع بنحو 1.4% هذا العام، وفي إسبانيا بنحو 2.4%. ورفع الصندوق تقديراته للنمو الاقتصادي في روسيا هذا العام بنسبة 0.1% إلى 1.7%.
وفي أمريكا اللاتينية، من المتوقع أن يشهد التعافي الاقتصادي المزيد من القوة، نتيجة تطور تقديرات النمو في المكسيك، التي ستستفيد من ارتفاع الطلب من الولايات المتحدة والانتعاش القوي في البرازيل. وفي الوقت نفسه، يقابل هذا الانتعاش، من ناحية أخرى، انخفاض في التقديرات في فنزويلا.
ورفع الصندوق تقديراته لنمو الاقتصادات المتقدمة في 2018 إلى 2.3%، بزيادة 0.3% عن التقديرات السابقة.
المخاطر التي تهدد الاقتصاد العالمي
وعلى المدى القصير، يتوقع الصندوق أن يستمر الاقتصاد العالمي في تحقيق الزخم ما لم تمر الأسواق المالية بفترة تصحيح، مما يشير إلى أن الزخم قد يؤدي إلى اتجاه تصاعدي في الفترة المقبلة.
وتابع: «من المتوقع أن تدعم الثقة في النظرة المالية واستمرار الظروف المالية التيسيرية بعضهما البعض»، لكن على المدى المتوسط، من المتوقع أن تتراكم نقاط الضعف المحتملة إذا استمرت السياسة المالية التيسيرية.
ويعد تراكم نقاط الضعف في القطاع المالي من أبرز المخاطر التي حددها الصندوق، حيث يرى أن ذلك قد يحدث إذا استمرت الأوضاع المالية في مرحلة التيسير على المدى المتوسط، والتي تتضمن استمرار انخفاض أسعار الفائدة وتواضع التوقعات بشأن تقلبات أسعار الأصول.
وأضاف أن هذا التراكم قد يتجلى في شكل اتجاه المستثمرين لشراء السندات التي تصدرها الشركات والدول ذات التصنيف الائتماني غير الاستثماري (غير المرغوب فيه)، والسياسات المغلقة (الحمائية)، والاتفاقيات التجارية المهمة وطويلة الأجل التي تعتبر ولا تزال قيد التفاوض، مثل اتفاقية “نافتا”، والاتفاقيات التجارية بين المملكة المتحدة والمملكة المتحدة. وتعد بقية دول الاتحاد الأوروبي من أبرز هذه السياسات.
ومن شأن زيادة الحواجز والأنظمة التجارية في إطار هذه المفاوضات أو غيرها أن تساهم في زيادة الضغوط على الاستثمارات العالمية وتقليل فعالية الإنتاج والنمو في كل من الاقتصادات المتقدمة والناشئة.
إن الفشل في خلق نمو أكثر شمولاً واتساع اختلالات التوازن الخارجي بين بعض البلدان، بما في ذلك الولايات المتحدة، يؤدي إلى زيادة الضغوط على السياسات التطلعية والعوامل غير الاقتصادية، كما أن التوقعات العالمية على المدى المتوسط مليئة بالمخاوف المتعلقة بالنمو الاقتصادي. التوترات الجيوسياسية التي لوحظت في شرق آسيا ومنطقة الشرق الأوسط.
وتثير حالة عدم اليقين السياسي مخاطر تنفيذ الإصلاحات أو إمكانية إعادة توجيه الأجندات السياسية، بما في ذلك في سياق الانتخابات المقبلة في العديد من البلدان (مثل البرازيل وكولومبيا وإيطاليا والمكسيك). ومن بين العوامل غير الاقتصادية التي تثير المخاوف التطورات المناخية مثل الأعاصير في المنطقة. المحيط الأطلسي، والظواهر الجوية القاسية التي لها تكاليف بشرية أو اقتصادية كبيرة.