الجغرافيا الحديثة علم مهم ومتقدم. ونقدمها لكم بأهميتها وتعريفها الشامل من خلال هذه السطور التالية.
الجغرافيا الحديثة
بدأ تأسيسها في عصر النهضة الأوروبية الحديثة على التراث الجغرافي الذي تركه العرب. ومع مرور الزمن بدأ هذا العلم يتفرع إلى عدد من العلوم. وفي هذه الأثناء، بدأت المواد الطبيعية البحتة تبتعد تدريجياً عن علم الجغرافيا، وأصبحت منفصلة كعلوم طبيعية مستقلة، مثل الجيولوجيا، التي انفصلت عن علم الجغرافيا حوالي عام 1690م، لكن الجغرافيا لم تنفصل عنه تماماً، إذ لا تزال الجيومورفولوجيا أحد فروع الجغرافيا، بل تعتمد على الجيولوجيا إلى حد ما. بدأ الفضاء أيضًا في الابتعاد عن الجغرافيا والاستقلال. وأصبح يقوم بها مهندسون مدربون لهذا الغرض، كما خرج علم الأرصاد الجوية عن نطاقه أيضًا، نظرًا لارتباطه الوثيق والديناميكي بفروع العلوم الطبيعية الأخرى، لكنه لا يزال مرتبطًا بالجغرافيا المناخية، والأمر ولم يقتصر انفصال العلوم الطبيعية عن علم الجغرافيا، بل سارت بعض العلوم الإنسانية في طريقه وبدأ الانفصال. ومن أمها الجغرافيا، مثلها مثل علم الاجتماع، الذي انبثق من الشجرة الأم للجغرافيا في أواخر القرن التاسع عشر، بعد أن نشر ليبلاي أبحاثه حول الظواهر الإنسانية البحتة.
أهمية الجغرافيا
ولا يهتم بوصف الظواهر بشكل سطحي بعيد عن الواقع. بل أصبح التخصص الذي يتماشى مع التطور العلمي الحديث القائم على التحليل والقياس والارتباط واستخدام النماذج والنظريات الحديثة. وهكذا أصبحت في الاتجاه التطبيقي الذي يعرف اليوم بالجغرافيا الكمية والجغرافيا التطبيقية، والذي يرفض الاستمرار بعيدا عن الانشغالات الكبرى للإنسان، لأن الجغرافيا تتميز بقدرتها على التكيف مع العلوم المختلفة. فهو يمثل رابطاً قوياً بين هذه العلوم، ويسخرها جميعها لخدمته ويأخذ منه ما يخدمه ويميزه عن غيره. وشهدت السنوات الأخيرة الأخرى تحولات كبيرة في النهج الجغرافي والمحتوى العلمي، وكذلك في الأساليب المعتمدة لتحقيق الأهداف والغايات. ولعل من أسباب هذه التحولات أيضاً هو التطور الكبير الذي حدث في المحتوى البشري، حيث بدأ الجغرافيون يتناولون موضوعات لم تكن معروفة بالأمس، حتى وكأن المتابع لأعمال الجغرافيين يرى هذا الاهتمام المتزايد بالتركيز على دراسة مختلف المواضيع. الظواهر والموضوعات الطبيعية والبشرية بشكل يختلف عما كان عليه في الماضي بفضل استخدامهم لأساليب كمية متقدمة في أبحاثهم.
تاريخ الجغرافيا الحديثة
ويمكن اعتبار كتاب كارنيوس الذي صدر في منتصف القرن السابع عشر تحت عنوان الجغرافيا العامة علامة بارزة في تاريخ الفكر الجغرافي الأوروبي. كما يعتبره بعض الجغرافيين المؤسس الحقيقي للعلوم الجغرافية. وكانت الدراسة العامة للظواهر الطبيعية والبشرية تسمى بالجغرافيا العامة، والدراسة الإقليمية لأجزاء مختلفة من سطح الأرض تسمى الجغرافيا الخاصة. ورغم أن باكرانيوس لم يكن لديه الوقت الكافي لتفصيل ما هو أجمل، إلا أنه وضع بهذا المفهوم الجديد قواعد الدراسة الجغرافية السليمة لأول ثنائية تقليدية في الجغرافيا، وهي الأصولية أو العامة والإقليمية أو الخاصة.
ساعدت الاكتشافات الجغرافية العظيمة على تقدم الدراسات الجغرافية، تلك الاكتشافات التي بدأت من منتصف القرن الخامس عشر حتى أواخر القرن التاسع عشر، وكان هم العاملين في الجغرافيا خلال تلك الفترة هو تصحيح معلوماتهم عن سطح الأرض. حتى أصبح كافيًا ومتوافقًا مع أحدث المستكشفين في ذلك الوقت. ومع ذلك، يجب ألا نقلل من أهمية تلك القرون العظيمة في تاريخ الجغرافيا
تطور وتأسيس الجغرافيا
ولا يتعدى دور الجغرافيا كونه علمًا مساعدًا للعلوم الأخرى، أو كمجال يكون بمثابة تذكير بدراسة غير علمية للمنطقة. وهذا الأمر تطلب من أنصار الجغرافيا مواجهة العديد من المشكلات فيما يتعلق بإثبات وجودها كمجال علمي. وقد تفاقمت هذه المشاكل أكثر فأكثر مع تعرض الأسس الغائية التي قامت عليها الجغرافيا لفترة طويلة إلى الانهيار المنهجي والنظري تحت سيطرة العلوم الطبيعية. وتزامن انهيار السياق العام الذي استمر لفترة طويلة بسبب هيمنة اللاهوت الطبيعي، مع عملية تجزئة المعرفة التي رافقت التخصصات العلمية المهنية.
في مثل هذه البيئة الفكرية، كانت المواضيع المتكاملة مثل الجغرافيا تفتقر إلى الدقة العلمية المهنية اللازمة لتقديم هوية علمية منظمة. كان من الواضح إذن أنه إذا أراد الجغرافيون المحترفون الجدد الاحتفاظ بمجالات الاهتمام التقليدية للعلوم، فسيتعين عليهم إيجاد أسس مفاهيمية جديدة من شأنها أن تجعل مشروعهم معقولًا فكريًا. ثم تم تدجين نظرية التطور وتكييفها مع احتياجاتهم، وأعتقد أن هذا كان أفضل منظور فكري توصلوا إليه. وفي تحولهم من اللاهوت الطبيعي إلى النظرية التطورية، بدأ مؤسسو الجغرافيا المهنية في الدعوة إلى ما أسميه التجريب الجغرافي، من خلال إبقاء الطبيعة والثقافة تحت مفاهيم موحدة.
التطورات الحديثة في الجغرافيا
طرق البحث المحتملة الاتجاه الكمي:
وجاء هذا الاتجاه الجديد بسبب انتشار أجهزة الكمبيوتر الإلكترونية وما أحدثته من تطورات في العمليات الحسابية مما سهل إجراء العمليات الحسابية الصعبة. تسمى دراسة استخدام الأساليب الكمية في مجال الدراسات الجغرافية (الجغرافيا الكمية). كما انتشر الاعتماد على الآلة وبعض برامج الكمبيوتر. وذلك من أجل رسم الخرائط، مما ساعد بشكل كبير في إجراء الأبحاث، ومعالجة المعلومات الجغرافية الوفيرة، وربطها في أوقات قصيرة نسبياً.
التصوير الجوي والاستشعار عن بعد:
تعد الصور الجوية من الأساليب المهمة التي يتم الاعتماد عليها في الدراسات الجغرافية المختلفة من الناحية الطبيعية والبشرية، حيث ساهم نجاح طرق الاستشعار عن بعد في تحديد مواقع المعادن المختلفة تمامًا في توفير خرائط الموارد المعدنية بسرعة ودقة.
نظم المعلومات الجغرافية (GIS):
تعد نظم المعلومات الجغرافية من أشهر أنظمة الحاسب الآلي وأكثرها استخداماً. وكانت هذه الأنظمة تُعرف سابقًا باسم أنظمة المعلومات الأرضية وأنظمة المعلومات المكانية، إلا أن مصطلح نظام المعلومات الجغرافية قد وجد قبولًا كبيرًا بين الباحثين في السنوات الأخيرة. تتميز المعلومات الجغرافية بأنها تقنية حديثة ومتقدمة تقوم بجمع وحفظ وترتيب وتصنيف المعلومات المكانية وربطها وتحليلها بطريقة سهلة. كما أنها ذات فائدة كبيرة في مجالات التخطيط العمراني وتوسعات المرافق العامة.
تعتمد نظم المعلومات الجغرافية على عدد من أنواع الخرائط: الخريطة الطبيعية، والخريطة البشرية، والخريطة التحليلية. الخريطة الطبيعية تعني:
خريطة لمعالم التضاريس المختلفة، وخريطة بشرية: خريطة المنشآت التي صنعها الإنسان. أما الخريطة التحليلية: فهي خريطة تعتمد على الربط والتحليل بين الخريطتين السابقتين. توفر أنظمة المعلومات المختلفة الدقة والسرعة في معالجة البيانات المختلفة، مما يوفر الوقت والجهد والمال.
فروع جغرافية متعددة ودراسات تفصيلية:
وتشعبت الفروع الجغرافية كثيرا، حتى أننا نسمع الآن عن الجغرافيا الطبية، والجغرافيا السياحية، والجغرافيا السلوكية وغيرها، وتهتم الدراسات الجغرافية بأدق التفاصيل، مثل دراسة مناخ مدينة معينة، أو دراسة الاستغلال من الأراضي في منطقة معينة.