بحث حول الوقف في الإسلام. وفي هذا الموضوع المهم نقدم لكم دراسة عن الوقف في الإسلام، ما هو تعريف الوقف، وما هي أهم أنواعه.
الوقف
تباينت تعريفات الوقف عند الفقهاء، وسبب ذلك يعود إلى اختلاف بعض شروط الوقف. وسأشير بإيجاز إلى تعريفات المذاهب الأربعة للوقف على النحو التالي:
تعريف الوقف عند الحنفية: “هو حبس المال في مال الواهب، والتصدق بالمنفعة على خير”.
تعريف الوقف عند المالكية: “هو إعطاء منفعة لمالك الشيء مدة وجوده، مع اشتراط بقاءه في يد واهبه، ولو بقدر محدود”.
تعريف الوقف عند الشافعية: “هو حبس المال الذي يمكن الانتفاع به مع بقاء عنصره بقطع التصرف المباح في رقبته”.
تعريف الوقف عند الحنابلة: “هو حبس المال وإتيان المنفعة”.
وفي الواقع فإن مجموع تعريفات الفقهاء لا يخرج كثيرا عن المفهوم اللغوي الذي ينص على وجوب حفظ المال ومنع التصرف فيه من قبل المالك (الواهب) ومن قبل المتلقي للهبة في حد ذاته، ولكن وله الحق في الانتفاع بنفعها وثمرها.
أما الاختلافات التي نراها في تعريفاتهم، فكل ذلك يرجع إلى شكل التكيف الفقهي الذي اعتمده كل منهم، من حيث الأركان والشروط التي يضعونها للوقف.
شرعيتها
الأوقاف الخيرية مشروعة ومستحبة. ومن الأدلة على ذلك:
– قول الله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}، فلما سمعه أبو طلحة أسرع إلى أحب ماله وهو بستان كبير فيه نخل كثير اسمه ( “برهاء” أخرجه البخاري.
– ما روي عن عمرو بن الحارث بن المطلق قال: «ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بغلته البيضاء وسلاحه والأرض التي تركها صدقة». رواه البخاري.
– قوله صلى الله عليه وسلم: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”، والصدقة الجارية مفهومة عند أهل العلم على أنها الوقف.
– وقف النبي صلى الله عليه وسلم على سبعة جدران (بساتين) في المدينة كانت لرجل يهودي.
– ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما: «أصاب عمر أرضًا بخيبر، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد أصابت أرضًا. لم أحصل على مالا قط أكثر منه، فكيف تأمرني بذلك؟ قال: إن شئت حبست أصله وتصدقت به، فتصدق عمر حتى لا يباع أصله، ولا يوهب، ولا يورث. وأما الفقراء والأقارب والعبيد في سبيل الله والضيف وابن السبيل فلا جناح على وليها أن يأكل منها بالمعروف أو يطعم صديقا. ومن لا يستثمر فيها.”
أنواع الوقف:
وتنقسم الوقف إلى نوعين:
– الوقف الخيري: هو الذي ينفق ريعه (إيراداته) في أعمال خيرية عامة، ويجب أن يكون دائمًا غير منقطع، فهو سبيل صدقة إلى الله. ويمكن أن يكون الوقف الخيري دائمًا أو مؤقتًا حسب رغبة الواهب، باستثناء وقف المساجد فلا يجوز إلا أن يكون دائمًا.
– الوقف الوطني: هو الذي يصرف ريعه على شخص الواهب نفسه في حياته، أو على ورثته من بعده، أو على أشخاص طبيعيين محددين، كالأولاد أو الأقارب أو أبناء الغير. فهو إذن من صور البر والروابط الأسرية، والوقف المدني مؤقت.
شروط الوقف:
.. وحتى يكون الوقف صحيحاً من الناحية الشرعية والقانونية، هناك مجموعة من الشروط التي يجب أن تتوفر في الوقف، وهي:
– يجب أن يتمتع المتبرع بالأهلية القانونية التي تسمح له بالتصرف.
– أن يكون الوقف مما يستعمل على الدوام، مع بقاء ملكه. ولا يجوز وقف ما لا يبقى بعد استعماله كالطعام مثلا.
– يجب أن يكون الوقف محددا، أي محددا. ولا يصح الوقف على غير معين، كأن يقول الواقف: وقفت على أحد بيوتي دون تعيين البيت.
ويجب ألا يخالف الوقف أحكام الشريعة الإسلامية، لأن غرضه التقرب إلى الله تعالى، مثل بناء المساجد، أو حفر الآبار، أو إطعام الفقراء، أو توزيع الكتب العلمية، أو كفالة الأقارب.
– يجب أن يكون الوقف كاملا، فلا يصح أن يكون الوقف مؤقتا أو معلقا، إلا إذا جعل الواقف معلقا على وفاته، مثل أن يقول: (إذا مت وقف بيتي على الفقراء). والوقف المشروط بالموت يتكون من ثلث المال، لأنه في نفس روح الوصية.
لا يجوز إلغاء الوقف، على الرغم من أن المادة 11 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 أجازت إلغاء الوقف، حيث نصت على أنه: “للواهب أن يرجع عن وقفه كله أو بعضه، وله أن يرجع عن الوقف”. كما يغير شروطه، ولو حرم نفسه من ذلك، بشرط ألا يتم التغيير إلا في حدود هذا القانون، ولا يجوز له الرجوع أو تغيير ما فعله توقف قبل تنفيذ هذا القانون وجعل استحقاقه لغيره إذا حرم نفسه. ويعفى فرعه من هذا الاستحقاق ومن الشروط العشرة له، أو ثبت أن هذا الاستحقاق كان لعوض مالي أو لضمان حقوق ثابتة قبل المتبرع. ولا يجوز إرجاع أو تغيير وقف المسجد أوله أو ما وقف عليه أول الأمر. ولا يجوز الرجوع أو التغيير إلا إذا كان صريحا. .
الحكمة من وراء مشروعية الوقف
وقد شرع الوقف لما فيه من منافع للعباد في الدنيا والآخرة، ويعظم أجر المسلم بوقف ماله ابتغاء وجه الله تعالى، والواقف ينتفع بالمال.
الفرق بين الوقف والوصية
هناك أمور تختلف فيها الوصية عن الوقف، منها:
– الوقف جائز للورثة، ولا تجوز الوصية.
وتتم ملكية الوقف في حياة الواهب وبعد وفاته، أما الوصية فلا تتم إلا عند الوفاة.
ولا يجوز أن تزيد الوصية على ثلث التركة، ويجوز أن تزيد الوقف على ذلك.
– الوقف هو حبس أصل المال والانتفاع بمنفعته. وأما الوصية فهي ملكية إضافية بعد الوفاة، سواء كانت بالمنفعة أو بالأصول.
فائدة الوقف
– التقرب إلى الله: وفي التوقف التقرب إلى الله عز وجل وامتثال أمره.
– صدقة جارية: عندما يبني الإنسان مسجداً في سبيل الله تعالى فهي صدقة مستمرة حتى بعد وفاة الإنسان.
– الألفة بين الناس: عندما يتصدق الأغنياء على الفقراء، هنا تموت الكراهية بين الناس، وتولد روح الشعور والإحساس تجاه الآخرين.
– تحقيق الأهداف الاجتماعية: عندما يكون هناك وقف للأقارب والأحفاد، يصبح الألفة بينهم والتواصل الاجتماعي لخير الجميع.
– روح الخير: عندما يتصدق جميع الناس ويساعدون بعضهم البعض، تتولد روح المساعدة والمحبة تلقائياً بين الناس.
مناطق الأوقاف
– إنشاء المدارس العلمية المجانية للمسلمين.
– إنشاء مساجد يصلي فيها المسلمون.
– التوقف عن الجهاد في سبيل الله تعالى.
– توزيع الملابس والمؤن على الفقراء والمحتاجين والأيتام.
– بناء مراكز للأيتام لرعايتهم وإيجاد مأوى لهم.
– إنشاء المكتبات العلمية لتثقيف المسلمين.
هناك العديد من الأمور الوقفية التي تعود بالنفع على الأمة وعلى الشخص الذي تبنى فكرة الوقف.
فوائد الوقف
فوائد الوقف عديدة، وهي كما يلي:
– يستمر أجر الوقف وثوابه في وصوله إلى الإنسان حتى بعد وفاته.
– يستفيد المسلمون من الوقف، فكل كيان موقوف عليه ينتفع بهذا الوقف.
– ولا فرق بين الصدقة الجارية والوقف، فهما واحد في المعنى والأجر.
الوقف من الأمور الضرورية والمهمة في مثل هذه الأوقات، إذ لم تعد الدول تعطي كل المحتاجين نصيبهم المستحق من الخزينة.
– مصلحة الأسرة؛ ويمتد منفعة الوقف إلى أفراد الأسرة. وعندما يوقف الواهب ماله أو ممتلكاته على ذريته، فإنه يحرص على حمايتهم من العوز والفقر، وضمان مستقبلهم.
– الاهتمام العلمي. فالوقف يحمي العلم من الضياع، خاصة في الوقف القائم على إنشاء المدارس.
– المصلحة العسكرية؛ وعندما يخصص جزء من الوقف للسلطات العسكرية والمجاهدين، تنعكس نفعه عليهم. يمكنهم شراء الأسلحة والأدوات اللازمة لزيادة قوة الجيش.
– المنفعة الاجتماعية: وتتكون من مساعدة الفقراء والمحتاجين.