تطور الجغرافيا عند المسلمين وما هو المفهوم الصحيح للجغرافيا؟ سنتعرف على كل هذا في هذا المقال.
الجغرافيا في عصر الحضارة الإسلامية
تشير الجغرافيا وفن رسم الخرائط في العصر الإسلامي إلى مرحلة صعود علم الخرائط والجغرافيا وعلوم الأرض في الحضارة الإسلامية خلال فترة العصور الوسطى من الخلافة العباسية حتى الخلافة العثمانية. تطورت الجغرافيا الإسلامية خلال العصور الوسطى نتيجة عوامل عديدة، منها: ظهور العصر الذهبي الإسلامي، بالتوازي مع تطور علم الفلك الإسلامي، وترجمة النصوص القديمة، وخاصة الهلنستية، إلى اللغة العربية، بسبب وانتشار السفر سواء للتجارة أو للحج، بالإضافة إلى الاكتشافات الكبرى في الجغرافيا وبسبب الثورة الزراعية.
وكانت بدايات تطور الجغرافيا الإسلامية في القرن الثامن الميلادي تحت رعاية حكام الخلافة العباسية في بغداد. ساهم العديد من العلماء في تطويره. ومن أشهر علمائها الخوارزمي وأبو زيد البلخي (مؤسس المدرسة البلخية) والبيروني وابن سينا. بلغت الجغرافيا الإسلامية ذروتها في عهد محمد الإدريسي في القرن الثاني عشر. واستمر تطورها فيما بعد في ظل حكم الأتراك والفرس، خاصة في عهد الدولة العثمانية والدولة الصفوية، ومن أشهر علمائهم محمود الكشقري وبيري الرئيس.
علماء مسلمون برعوا في الجغرافيا
1- محمد بن موسى الخوارزمي، د. 232 هـ: برع في العلوم الرياضية والفلكية والجغرافية. ولخص كتاب المجسطي لبطليموس وسماه سند هند. كما ألف كتابه الشهير “رسم الربع المغمور” المعروف بصورة الأرض: تحدث فيه عن الجبال والمدن والطرق في العالم. وقد ألف كتاباً مهماً عن تاريخ البلدان أسماه التاريخ.
2- أبو الوليد الأزرقي المكي، د. 250 هـ: ألف كتابه أخبار مكة قدم فيه عرضاً جغرافياً وتاريخياً لمكة. ليتمكن الناس من استخدامه كدليل جغرافي للتعرف على معالم مكة المكرمة والمدن المجاورة لها والطرق المؤدية إليها.
3- أبو يوسف يعقوب الكندي، د. 256 هـ: مؤلف كتب عديدة في الجغرافيا، منها: رسم باطن الأرض من الأرض، رسالة في أبعاد مسافات الأقاليم، رسالة في المساكن، رسالة في معرفة أبعاد الجبال، رسالة في استخراج مركز الأرض القمر من الأرض، وغيرها.
4- أبو العباس المروزي، د. 340 هـ: ألف كتاباً نادراً اسمه المسالك والممالك، وكان مرجعاً مهماً يستقي منه العلماء معلوماتهم الجغرافية.
5- ابن بطوطة، د. 779 هـ: زار الشيخ الرحالة العديد من البلدان في رحلته الشهيرة، حيث وصف البلدان وعرض الحقائق الجغرافية المجمعة في كتاب رحلة ابن بطوطة.
كما برع علماء آخرون وأسهموا كثيرا في الجغرافيا، منهم البلاذوري، وابن خرداذب، واليعقوبي، وابن رستة، والحسن الوزان الملقب بأسد أفريقيا، وابن ماجد، وابن خلدون، والعمري، والعمري، والعمري، والملقب بأسد أفريقيا. الدمشقي، الإدريسي، الحموي، المسعودي، ابن حوقل، الاصطخري، الرازي، ابن الحايك وآخرون. خلق الكثير.
والابتكارات التي أنجزها علماء المسلمين كثيرة، مستفيدة مما ذكرنا، وأهمها إثبات كروية الأرض… نعم كما قلنا، وكيف لا؟ وفي كتاب الله ما يدل على ذلك. وفي الوقت الذي كانت الكنيسة ترفض فيه كروية الأرض وأنها مسطحة، أحيا المسلمون النظرية. الأرض كروية وأكدوا ذلك، ومن أهم أسباب ذلك ما جاء في كتاب الله من آيات صريحة في كرويتها، مثل قوله تعالى: “وخلق السماوات”. والأرض بالحق. يقسم الليل إلى نهار، ويقسم النهار إلى ليل. وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى. إنه هو العزيز الغفور.” (الزمر: 5)
وهو من علماء المسلمين الذين أثبتوا كروية الأرض
1- أبو القاسم بن خرداذب، د. قال ت 272هـ في كتابه المسالك والممالك: “الأرض مدورة مثل دوران الكرة، وموضعة كالحقل. [صفار البيض]”في تجويف البيضة.”
2- أحمد بن رستة، د. 300هـ في كتابه العلق النفيسة حيث قال: “إن الله تعالى جعل السفينة مستديرة مثل كروية الكرة، مجوفة تدور، والأرض أيضًا مستديرة صلبة في جوف السفينة. “
3- ونقل ابن حزم إجماع أئمة المسلمين على كروية الأرض في كتابه «الفصل في الملل» فيقول: «قالوا: قد ثبتت الأدلة على كروية الأرض، ولكن العوام» فقل غير ذلك، وجوابنا وبالله تعالى التوفيق؛ ولم ينكر أحد من أئمة المسلمين الذين استحقوا اسم الإمامة بالعلم تكوين الأرض، ولم يحفظ لأحد منهم كلمة واحدة. بل جاءت الأدلة من الكتاب والسنة على تكوينه. قال الله تعالى: «يُشْغِلُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُفْسِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ» (الزمر:5). “وهذا أوضح تفسير في ترتيب بعضها على بعض، مأخوذ من كرّة العمامة، وهو: إدارتها، وهذا نص يدل على ترتيب الأرض دائرة”.
4- ذكر الشريف الإدريسي في كتابه نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ما قاله: “إن الأرض مستديرة مثل دوران الكرة، والماء ملتصق بها ويركد عليها بطريقة طبيعية”. لا ينفصل عنها، والأرض والماء مستقران في بطن السفينة كالذرة في جوف البيضة، وموقعها متوسط، والنسيم المحيط بها [الغلاف الجوي] من كل الجهات.”
وهذه شهادة بعض الغربيين عما قدمه علماء المسلمين في علم الجغرافيا، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
يقول وول ديورانت في كتابه قصة الحضارة معلقا على خرائط الشريف الإدريسي: “كانت هذه الخرائط أعظم ما أنتجه علم رسم الخرائط في العصور الوسطى. ولم تُرسم قبلهم خرائط أكمل ولا أدق ولا أوسع وأكثر تفصيلا، وكان الإدريسي على يقين، كما يجزم كثيرون. “جمهور علماء المسلمين يعتقدون أن الأرض كروية، ويعتقدون أن هذه حقيقة معروفة صحتها.”
يقول غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب: “إن كتب العرب التي نزلت علينا في الجغرافيا مهمة جداً، وكان بعضها أساساً لدراسة هذا العلم في أوروبا قروناً عديدة”. ويضيف في موضع آخر: “ويكفي مقارنة الأماكن التي خصصها الأفارقة بالأماكن التي عيّنها العرب، ليتبين لنا حجم التقدم الذي حققه العرب”.
ويقول مارتن بليسنر في كتاب تراث الإسلام: “إن الخرائط الإسلامية وما كتبه المسلمون عن علوم البحار كان لها أثر كبير في تقدم الملاحة الغربية”، ويضيف في موضع آخر: “ولا تزال كتابات المسلمين في الجغرافيا تحتل مكانة مهمة”. مكانه حتى يومنا هذا، لأن المعلومات “ما تحتويه يزيد من معرفتنا بالجغرافيا التاريخية المتعلقة بالدول المشمولة في هذه الأعمال، كما أن لتراث الإسلام في هذا المجال أهمية خاصة”.
أهمية الجغرافيا عند المسلمين
أهمية الجغرافيا عند المسلمين تكمن في أن فريضة الصلاة التي هي ركن من أركان الإسلام وأركانه، يتوجه فيها المسلمون إلى تلك البقعة المباركة في مكة، ومعرفة الاتجاه الصحيح إلى هذه البقعة يتطلب معرفة دقيقة بالجغرافيا حتى يتسنى لهم ذلك. لتحديد كيفية التوجه الصحيح إليه، كما أن فريضة الحج من أركانه أيضاً. وهي في نفس المكان، ويأتي إليها المسلمون من كل أنحاء العالم، الأمر الذي يتطلب وعيا واسعا بالتضاريس الجغرافية ومعرفة واسعة بأنسب الطرق للوصول إلى هناك. كما ساهمت الفتوحات الإسلامية خلال القرون الأولى في آسيا وإفريقيا وأوروبا في تحسين إدراك المسلمين لجغرافية الأرض ومعرفة تضاريسها المختلفة.
اهتم المسلمون بعلم الجغرافيا اهتماما كبيرا، وحققوا فيه مستوى رفيعا. وقاموا بتصحيح الكثير من الأوهام التي كانت سائدة بين علماء الحضارات السابقة وحتى عصرهم. وقد أثبتوا كروية الأرض، وقاسوا أبعاد الأرض في زمن المأمون، وكان قياسهم الذي اكتشفوه دقيقاً إلى حد لم يعرف. ولا يختلف عن القياسات الحديثة إلا بنسبة قليلة، وهم أول من أشار إلى إمكانية دوران الأرض، قبل أن تثبت هذه المسألة فيما بعد، وأبحروا في بحار ومحيطات كثيرة مجهولة. واستكشفوها ورسموا خرائط للعالم والمناطق المختلفة على غرار ما تلتقطه الأقمار الصناعية اليوم. وممن قام بهذه الجهود الرائعة الإدريسي والإصطخري والمسعودي وابن حوقل والبتاني وغيرهم.
كما اشتهرت أسفار ابن بطوطة وابن ماجد وابن جبير وابن فضلان وغيرهم، وكان لهم دور كبير في التعرف على مختلف البلدان والمناطق ومعالمها وأنظمة حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم وخصائص شعبهم. وقد ألفوا العديد من الكتب التي تصف رحلاتهم، ومن أشهر هذه الكتب كتاب “الرحلة”. ابن بطوطة.. تحفة المتابعين في غرائب المدن وعجائب الأسفار”.
العصر الذهبي للإسلام
وعندما انتقلت عاصمة العالم الإسلامي إلى بغداد عام 750، أصبحت المدينة مركزًا للدراسات والترجمات والتسجيل العلمي، واجتذبت العلماء من جميع أنحاء العالم. كما حظي العلماء بدعم وحماية ورعاية الخليفة العباسي، وخاصة هارون الرشيد والمأمون. وفتحت أبواب التعليم للمسلمين وغير المسلمين، وانتشر الناطقون بالعربية واليونانية والعبرية والفارسية والسريانية، مع أن اللغة العربية ظلت هي اللغة المشتركة، وكان الإسلام هو الدين السائد.
علم الفلك الاسلامي
اهتم العرب والمسلمون بعلم الفلك اهتماما كبيرا. اعتمدت قوافل التجار على معرفة النجوم للسفر ليلاً. كما استفاد منه البحارة في إبحارهم. كما ورد فضل علم الفلك في آيات كثيرة من القرآن الكريم. نفس التقنيات المستخدمة في علم الفلك تم استخدامها مباشرة في الجغرافيا ورسم الخرائط. على سبيل المثال، يمكن استخدام الإسطرلاب في علم الفلك للملاحة، وكذلك في رسم خرائط الأجرام السماوية ومسح الأراضي.
يسافر
وقد أدت الحاجة إلى السفر لمسافات طويلة إلى تطوير إنتاج الخرائط والمعلومات التي كانت تعطى في كثير من الأحيان للمسافرين لتسهيل سفرهم. على الرغم من أن السفر في العصور الوسطى كان خطيرًا، إلا أن المسلمين كانوا يسافرون في رحلات طويلة. وكان الحج من أهم أسباب سفر المسلمين. وعلى أساس سنوي، كان المسلمون من أفريقيا والأندلس الإسلامية وبلاد فارس والهند يتوافدون إلى مكة في شبه الجزيرة العربية. وكانت التجارة دافعًا قويًا آخر للسفر. تاجر المسلمون مع الهند وأوروبا والصين.