عيوب شعر المتنبي، وكذلك خصائص شعر المتنبي. وسنشرح أيضًا خصائص العصر الذي عاش فيه المتنبي، وسنتحدث أيضًا عن الحكمة في شعر المتنبي. كل هذا من خلال مقالتنا. تابع معنا.
مساوئ شعر المتنبي
وعلى الرغم من إعجابي الكبير بشعر المتنبي، إلا أن نتاج المتنبي الأدبي تعرض أيضاً لما كان سيئاً ومعيباً في كثير من النواحي. الوجه الأول: أنه من العيب على المتنبي أن يبالغ في مدحه إلى حد تأليه المعظم، ورفعه عن إنسانيته، وإبراز له صفات لا يتصورها إلا الله تعالى.
ومن ذلك ما قاله جعفر بن كيغلغ:
يا من أعوذ به فيما أرجو
وبمن أعوذ مما أحذر منه؟
لا ينبغي للناس أن يجبروا العظم الذي كسرته
ولن يكسروا عظامهم. أنت من سيعيدهم
وقد روي أن ابن تيمية -رحمه الله- كان يقول معنى أنه تذكر هاتين الآيتين وهو ساجد يدعو الله بهما، لأنه يعلم أن هذا المعنى لا يصح إلا لله تبارك وتعالى. عالي. ومما اتهم به المتنبي أنه كان يكثر من انتحال معاني غيره بالأشعار، حتى قيل إنه سرق المعاني من أكثرها. ومن بين 40 شاعراً، تخصص في السرقة الكاملة من قصائد “أبو تمام” و”البحتري”. ويروى أنه لما قُتل علي بيد فاتك الأسدي وجد عنده مصنفات أبي تمام والبحتري، فوجدوا في الحواشي علامة على كل آية مسروقة ومعناها تجريداً، ومن أدلة ذلك قول المتنبي:
أرى فيه الصبح منذ رحل عن الظلام
إذا بقيت مستيقظًا، سيصبح الليل أبيضًا ناصعًا
والذي أخذه من كلام أبي تمام:
والصباح لم يكن هناك أبيض
أصبح الظلام والليل ليس أسود
ويدخل في قول المتنبي أيضاً:
لقد ألهمتني عظمة قدرك في الآفاق
نادرا ما كنت أسخر منك
والذي أخذه من كلام البحتري:
وقد ضاع معظم مذهب التسبيح
الثناء فيك سيكون هجاء
ويدخل في قول المتنبي أيضاً:
وكأن هناك بنات نعش في ظلامها
صحف النساء في الحداد
والذي أخذه من قول الرقي:
كأنهم بنات نعش حين ظهروا
نحيب، واقفا في حداد
إلى آخر الأبيات التي عددتها في العديد من كتب النقد، مثل كتاب “المتنبي وشوقي وإمارة الشعر” لعباس حسن، وكتاب “كشف مساوئ المتنبي” للمؤلف. ويبقى أن نقول، كما قلنا سابقاً، إن هذه النقائص لا تسقط من قدر المتنبي، بل «يكفي بالمرء من النبل أن يحصي عيوبه».
خصائص شعر المتنبي
1- أبدع بالصور الفنية:
واللافت في شعر المتنبي كثرة التشبيهات والاستعارات والكنايات لوصف المشهد بطريقة جذابة تأسر القارئ وتلفت انتباهه إليه.
2- كثرة الألفاظ والتراكيب:
ولم تكن لغة المتنبي لغة معقدة وحشية، ولا لغة سهلة مبتذلة. بل كانت لغة جمعت من خلالها القوة والرقي وحسن التعبير، دون الإخلال بالمعنى من جهة أو الحط من اللغة من جهة أخرى.
3- البعد الفلسفي :
وكان المتنبي مخادعا في مراجعه الفلسفية وتعبيراته العميقة، وتتجلى هذه السمة في كثير من أشعاره التي تتخللها الحكمة.
4- المبالغة والغلو:
وعندما بدأ المتنبي في المديح استخدم سيف الدولة ليحصل على صفات تشبه مروءة الإمام علي، وهذا يظهر في معظم مدائحه. 5- كثرة قول “ال” :
ويذهب الثعالبي إلى سمة قلما ذكرها غيره من النقاد، فقال عنها على لسان القاضي الجرجاني، إنها ضعيفة في حرفة الشعر، تدل على التكلف، وربما توافقت مع بعض الأماكن التي كانت مناسبة له، فنال القبول.
خصائص العصر الذي عاش فيه المتنبي
يمثل الأدب مرآة تعكس صورة الحياة السياسية والاجتماعية، ويعتبر أدب المتنبي نموذجا حيا لذلك، وصورة بارزة للحياة الفكرية والأدبية في العصر الذي عاش فيه. عاش المتنبي في بداية القرن الرابع الهجري في ظل الدولة العباسية، وشهد تفكك الدولة وتقسيمها إلى عدة دويلات كانت بغداد مركز الخلافة العباسية، لكن القوة الحقيقية كانت في أيدي عدد من الوزراء وقادة الجيش من أصول غير عربية، فسيطروا على البلاد والعباد، فحدثت الفتنة الداخلية، وتكاثرت الطوائف، وظهرت الثورات مثل القرامطة الثورة التي انضم إليها كثير من أهل البصرة والكوفة، إضافة إلى تعرض البلاد لغزوة الروم في الشمال الذين تصدى لهم الحمدانيون بقيادة سيف الدولة الحمداني أمير حلب. ومن الجدير بالذكر أن إمارته هي الإمارة الوحيدة التي بقيت تحت سيطرة العرب، بعد سيطرة الفرس على بقية الدويلات، وقد عرف الحمداني بشجاعته. وخلد المتنبي انتصاراته في حروبه مع الروم، واعتبر شعره سجلا تاريخيا لكل أحداث هذه الحروب.
ونتيجة للأوضاع السياسية المتردية التي شهدها العصر العباسي، تأثرت الحياة الاجتماعية، وظهرت عدة طبقات في المجتمع، وهي: الطبقة العليا ممثلة بالخلفاء والوزراء وحاشيتهم، الطبقة الإقطاعية ممثلة بالخلفاء العباسيين. وقادة العسكر، ورجال البلاط، وكبار التجار، والحرفيين، والطبقة الدنيا، وهي الطبقة العامة، ويمثلها المزارعون، والحرفيون، والخدم، والعبيد. عاشت الطبقة الأولى والثانية في القصور حياة مريحة. وبينما كانت الطبقة الثالثة تعاني من الفقر والظلم والطغيان، ورغم هذا الاضطراب في الأوضاع السياسية والاجتماعية في ذلك العصر، فإن الحركة الفكرية كانت تشهد نشاطا. لا مثيل لها، حيث تعددت الثقافات وتنوعت الفلسفات، نتيجة اختلاط العنصر العربي بعناصر أجنبية أخرى، مما أدى إلى اختلاط الثقافات، فظهرت حركة الترجمة، واختلطت الحكمة اليونانية والفارسية والهندية بالحكمة. من العرب، وقد تأثر المتنبي بهذا الازدهار الفكري، خاصة عندما كان يمتلك قدراً كبيراً من الذكاء والفصاحة والبلاغة وقوة التعبير، فتميز عن سائر الشعراء. عصره بالحكمة والفلسفة التي امتلأ بها شعره.
الحكمة في شعر المتنبي
نال الشاعر أبو الطيب المتنبي شهرة واسعة بسبب أشعاره الحكيمة التي استمدها من التجارب التي عاشها في حياته. كما أخذ من حكمته من خلال دراسته للفلسفة، حيث أصبحت حكمته أمثلة يحتذى بها، وتظهر مدى فلسفة المتنبي في الحياة، وتميزت هذه الحكمة بمطابقتها لواقع المتنبي، وهي أن يكون خالياً من التقليد أو التكلف؛ فدوّن ما كان يمر به، والتجارب التي عاشها، وكان شعر المتنبي غنياً بالحكمة، سواء في الوصف أو الرثاء أو المديح أو الهجاء أو الفخر.
اتسمت شخصية المتنبي بالعبقرية والعمق الإنساني والفصاحة والحساسية، بالإضافة إلى اعتزازه الشديد بنفسه وعروبته وإسلامه. وكان شعره انعكاساً لهذه الشخصية، وقدرته العالية على معرفة الناس وأحوالهم، وقدرته العالية على التعبير عن نفسيته وأفكاره. كل هذا لم يأت نتيجة تجربة شاعر عاش قبل خمسين عاما، بل نتيجة معرفته الواسعة وفهمه لثقافة عصره.
ومن المتفق عليه في الأوساط الأدبية قديما وحديثا أن المتنبي كان من أبرز شعراء العرب في شعر الحكمة، وأكثرهم تأليفا، إلا أن طلاب الشعر اعتبروا الحكمة عنده موضوعا شعريا منفصلا في حد ذاته، وهذا شيء يجب تصحيحه. حيث أن الأغراض الأساسية للشعر هي: المدح، والهجاء، والرثاء، ثم يتم استخدام الأساليب الفنية من أجل إيجاد أساس لهذه الأغراض، وهي أبيات من الشعر في بداية القصيدة، ثم الوصف والحكمة، وكدليل ومن هذا نجد بعض قصائد الوصف والشعر، أما الحكمة فلا قصيدة مستقلة تنفرد بها. وحيد.
ومعلوم أن الحكمة عند المتنبي بارزة في معظم قصائده، وليس في جميعها. وغالبًا ما يأتي من أجل تأكيد معنى أو دعم سبب ما. ومن يتابع شعر المتنبي سيلاحظ قليلا من شعر الحكمة في بداية حياته. وإن وجد فهو يتميز بالبساطة، والسبب يعود إلى الحياة البدوية التي عاشها في فترة شبابه. لكن عندما انتقل إلى حلب وأتيحت له فرصة التعرف على تراث الحضارات الأخرى، أصبح هناك شكل آخر من الحكمة أكثر تنوعاً وعمقاً.