مفهوم الأدب الحديث وتعريفه الشامل في اللغة العربية وما الفرق بينه وبين الأدب العربي كلها في هذه السطور التالية.
الأدب العربي الحديث
الأدب العربي الحديث إن التطور الذي حدث في الأدب العربي، في نهاية القرن الماضي، لم يكن مجرد حركة تطورية، كتلك التي شهدها الأدب مرات عديدة منذ القرن العاشر: فجرمانوس فرحات (1732)، والألوسي في العراق. وقد حاول كلاهما الابتكار في القرن الثامن عشر، لكن الأدب الحديث لم يظهر إلا بعد أن أثمرت حركتان مهمتان: إحياء التراث القديم، وترجمة الأدب الغربي. بدأ أنصار إحياء القدماء نشاطهم مع فجر القرن التاسع عشر، لمقاومة تدهور الأدب وانحطاط أساليبه. وقاموا بنشر النماذج الأدبية القديمة الممتازة، وقاموا بتقليد هذه النماذج بإبداع أدبي جديد. ومن هؤلاء إبراهيم اليازجي (ت 1871) من الشام، وعلي مبارك (ت 1893) من مصر، ومحمود شكري الألوسي (ت 1923) من العراق. وكتب علي مبارك مقاماته: “علم الدين”، وكتب اليازجي مقاماته: “مجمع البحرين”. كما ألف الألوسي ديواناً بعنوان: “بلاغة العرب”.
الأنواع الأدبية والأنواع
الرواية
الجهود المبذولة في الرواية لا تقل قوة وعدة، حيث قلد جورجي زيدان برواياته التاريخية «سكوت». حاولت فرح أنطون (1922) كتابة الرواية التحليلية. كما استفاد بعض الكتاب من التعرف على الثقافة الغربية في عالم الاجتماع والسياسة. وألف كتباً عربية جديدة – لنقل هذه التيارات بأفكارها وإيمانها – مثل الكواكبي (1903) في طبائع الاستبداد، و”أم القرى” وقاسم أمين في “تحرير المرأة”. وشاركت عائشة التيمورية (1902) ومالك حفني ناصيف (1918) في الاستلهام من الحضارات الغربية، رغم حرصهما وقاسم أمين على التمسك بالدين وتقاليد المجتمع الإسلامي. أما الشعر، فقد ظل معزولاً عن التأثر بأي اتجاه غربي حتى الحرب الأولى، باستثناء بعض المواضيع الوطنية، التي ألهبتها المناسبات في مختلف أنحاء البلاد العربية بطرق مختلفة، لأن الشعر بقي محافظاً وجامداً، كما كان. في عصر الانحطاط . وكان من شخصيات هذه الفترة في مصر: سامي البارودي (1904)، وأحمد شوقي (1932)، وحافظ إبراهيم (1932)، رغم اختلافهم في الأسلوب، والإحساس بالفئات المحيطة بهم، ومشاركتهم في المناسبات الوطنية.
ولعل أبرز من قام بتكييف الأسلوب للأغراض الفنية الحديثة في الأدب هو: إبراهيم المازني (1949) الذي نشر أول رواية اجتماعية ناجحة تصف عادات المجتمع وهي: “إبراهيم الكاتب”. ومنذ ذلك العصر كثرت الكتابة الروائية وساهم فيها كثيرون. أبرزهم: توفيق الحكيم في «عودة الروح» (1933)، تليها «سارة» (1938) للعقاد، و«نداء المجهول» (1939) لتيمور. وفي هذه الفترة أنتج فريد أبو حديد رواية “ابنة المماليك”. عربية خالصة، وهي خطوة للأمام لروايات زيدان في نفس الاتجاه.
أما رواية التحليل النفسي، فقد قدمها طه حسين لأول مرة في كتاب سيرته الذاتية: «الأيام» (1926)، الذي يعد من روائع الأدب الحديث بموضوعه وأسلوبه والحياة التي يصورها.
مواضيع اجتماعية
أما القضايا الاجتماعية، وأما الابتكارات في مجال النوع الأدبي وصناعة الشعر، فلم يؤثر أي شيء غربي من ذلك على أي منها. ويمكن القول بأن مطران حاول محاولات أقرب إلى هذا الهدف، كما يمكن اعتبار أن الزهاوي (1936) والرصافي (1945) في العراق أقل جمودا. ويمكننا أن نعزو ذلك إلى أن الصنعة الشعرية لم تتراجع في العراق إلى المستوى الذي تراجعت إليه في الشام ومصر بسبب الظروف السياسية.
أما فترة ما بعد الحرب، فهي تصور التغيرات القوية والواضحة في الأدب العربي الحديث، نحو التعبير عن الحياة والمجتمع الحديث، وتصوير مشاكل الناس وهمومهم وأفكارهم. وتعود نواة هذه الصحوة إلى تلامذة محمد عبده في نهاية القرن الماضي، وكانوا من دعاة الحرية والتجديد. وفي نهاية المطاف، احتشدوا حول صحيفتي الجريدة، ثم السياسة، اللتين شارك في تحريرهما لطفي السيد وحسين هيكل. وروجت الصحيفتان للأجناس الأدبية الحديثة: الرواية، القصة، المقال، ثم المسرحية. وكان أول الأثر الأدبي المهم لهذه المدرسة هو رواية زينب هيكل (1914) التي أوضحت مشكلة الأسلوب العربي في كتابة الرواية الاجتماعية. وساهم محمد تيمور (1921) -خاصة مع كتابه: «ما تراه الأبصار»- في التغلب على بعض هذه المشكلات، ثم أكمل المهمة أخوه محمود تيمور (1894)، وآخرون مثل: عيسى عبيد، شحاتة عبيد، وطاهر لاشين الذين يتفوقون في بعض الجوانب، لكنهم لا يصلون من حيث الأسلوب وتطوره وتطويعه لأداء معاني جديدة، ما وصل إليه التيموريون في قصصهم الواقعية الحية. والصور.
قصة قصيرة
أما القصة القصيرة فقد ظهرت مجموعات كثيرة منها لأغلب الكتاب في مصر وسوريا ولبنان والعراق والمهجر الأمريكي. كان المقال هو النوع الأدبي الأكثر تطوراً وتأثيراً، وبسبب انتشار وتعدد الصحف واهتمام القراء بها منذ ثورة 1919، أصبح المقال الصحفي يتناول موضوعات مختلفة – سياسية وأدبية واجتماعية ودينية وغيرها. – ترسخت. – يتطور أسلوباً وشكلاً، حتى يصل إلى مستواه الرفيع في الأدب الغربي. ومن أهم المواضيع الأدبية التي تناولتها تقييم الثقافة العربية ومقارنتها بالثقافات الغربية، حتى اللاتينية واليونانية. ومن الكتاب المشهورين: طه حسين والعقاد وكلاهما يميل إلى التجديد، ورشيد رضا (1935) المحافظ في مجلة المنار، وفريد وجدي ومصطفى صادق الرافعي (1937). من أدباء سوريا: محمد كرد علي (1952)، ومن لبنان والمهجر: ميخائيل نعيمة (1889). ويعود الفضل لهؤلاء جميعا، سواء كانوا من أنصار التجديد أو المحافظة، في تقييم العديد من الأفكار القديمة والحديثة، ومعادلة الحياة المعاصرة، بحيث تأخذ أفضل الاتجاهين، بعد غربلة وتمحيص الآراء. ولهم أيضًا الفضل في المدرسة التي تلت ذلك، والتي أصبحت تميل علميًا إلى الاعتماد على الدروس والوثائق لكتابة مقالات قيمة. وفي الرواية دخل نقد المجتمع لأنه كان عنصرا في المقال من قبل، فكتبت روايات، مثل روايات: توفيق الحكيم، وحسين فوزي في السندباد الحديث، وبغزارة في المدرسة التالية، في: نجيب محفوظ، وحسن كامل، وآخرون، ثم بدأت الرواية مؤخرًا تغرق في الواقعية، مع إهمال الأسلوب. ظهرت اتجاهات مختلفة، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية.
مسرحيات
ومن الأنواع المنتشرة التي كتب فيها المؤلفون كثيرًا: السير الذاتية، والسير الأدبية، وخاصة الدينية منها. وقد شارك في هذا المجال كل أبرز الكتاب، ولم يكد يخرج أحد منهم عن ذلك. كما أثر الاتجاه الواقعي في الرواية على المسرح، وبرز المسرح المصري بشكل واضح في هذا المجال. وفرضت نفسها على كل الدول العربية.
بدأت بدايات المسرحيات الاجتماعية الواقعية مع محمود تيمور، لكنها لم تصل إلى اكتمالها وقوتها حتى توفيق الحكيم الذي أتقن مسرحيات الرموز والأفكار العقلية، واستخدم العديد من الأساطير الفرعونية والإسلامية والغربية، وأنتج روائع في المسرح العقلي مثل “أهل الكهف” و”شهرزاد”، كما أخرج روائع في المسرح الاجتماعي وآخرها: “السلطان الحائر”. ولا يفوتنا أن نذكر محاولات شوقي في المسرح الشعري، والتي تابعها بعده عزيز أباظة، والتي تناولت موضوعات تاريخية وكلاسيكية. تحتل مشكلة الحوار العامي مكانة بارزة في دراسة الأدباء وتفكيرهم، خاصة في المسرحيات، حيث تكون المشكلة أقل عنفاً في القصص والروايات. وحاول توفيق الحكيم ومحمود تيمور إدخال اللغة العامية في الحوار، في القصة والرواية، لكن نجاحهما لم يحل المشكلة. بل غيّر تيمور ذلك مؤخراً وبدأ بإعادة كتابة القصة والرواية المكتوبة باللغة العامية إلى اللغة الفصحى. وعلى الرغم من المحاولات العديدة لخلق الأدب باللغة العامية، خاصة في لبنان، إلا أنها جميعها باءت بالفشل، وظهرت أخيرا حتمية محاولة التوفيق بين الأمرين من خلال تسهيل اللغة العربية الفصحى وزيادة اللغة العامية. ولا يزال حل هذه المشكلة يعتمد على التاريخ.
ولعل انتشار التعليم وانتشار اللغة العربية الفصحى سيؤدي إلى نتائج فورية. وقد ساهم المقال الصحفي بالبعض في الحل، حيث أوجد نوعا من النثر يتميز بالدقة والقدرة على تصوير الواقع، أكثر من النثر اللفظي الجميل، الذي ينتشر فيه المعنى ويصور العصور القديمة. وهكذا يستطيع المؤلف الحديث أن يجد في العربية الفصحى ما يبحث عنه في كثير من الكلمات الدقيقة، إلا الحوار الواقعي. وهذا النثر اللفظي الجديد قادر على التعبير عن الواقع.
الشعر
أما الشعر فقد أفسح المجال للنثر منذ الحرب. وإذا كان تأثير النثر على الأدب الغربي أدى بسرعة إلى تأليف جديد مبتكر، فإن التأثير على الشعر كان أبطأ وظل لفترة طويلة يحاول التحرر من قيود الشعر القديمة وخلق جو جديد وموسيقى متنوعة.
وبترجمة الإلياذة إلى الشعر العربي، حاول سليمان البستاني (1925) أن يكون لها التأثير المطلوب، وإذا كانت الترجمة جيدة، فإن دورها كان أضعف من أن يذكر في التجديد.
وأهم ما طور الشعر الحديث هو الشعور الوطني والوطني الذي بلغ ذروة تأثيره في شعر أبي القاسم الشابي (1934) من تونس الذي استخدم الإطار القديم والصور القديمة للدلالة على حداثة قوية المناصب بنجاح كبير. وحاول آخرون إدخال تأثيرات نفسية من خلال التلاعب بالأوزان وبعض الصيغ القديمة. الشكر لمدرسة الديوان التي تضم العقاد والمازني وعبد الرحمن شكري (الأكثر تمثيلا للرومانسية الجديدة)، وشكرا لمدرسة المهاجر الشمالي – رابطة القلم – إيليا أبو ماضي، و مدرسة المهاجر الجنوبي – العصبة الأندلسية – رشيد سليم الخوري وفوزي المعلوف أصول الشعر القديم . تهتز أمام التيارات الجديدة. ودعت جميع هذه المدارس إلى تجديد الشعر بنبذ التقليد، والسعي إلى إلهام الذات، وصدق العواطف، وتصوير مشاعر النفس المباشرة.
وكان من ثمار ذلك الشعر الرومانسي الجديد والقوي. مدرسة أبولو مجموعة من الشعراء اجتمعوا حول «مجلة أبولو» التي أصدرها الشاعر أحمد زكي أبو شادي (1955)، وجاءت لتنافس المدرسة الجديدة التي مثلها مطران في مصر، وأبو شبكة في لبنان. ، وشعراء الديوان والعصبة والعصبة بمدرسة أكثر ابتكارا وقوة. الليبرالية وأكثر تأثرا بالرومانسية الحديثة. ورغم أن العقاد والشعراء العراقيين الذين عاصروا هذه الحركات التجديدية استمروا في الحفاظ على الأشكال الموروثة والعديد من القوالب القديمة، إلا أن عبد الرحمن شكري ومدرسة المهجر الشمالي ومدرسة أبولو كانوا بعيدين كل البعد عن هذه القديمة. نماذج عربية. ويستمر الصراع على الالتزام بالوزن والقافية الواحدة في القصيدة حتى يومنا هذا، رغم حدته، بين أنصار الشعر الكلاسيكي وأنصار الشعر الحر الذين يدعون إلى الاقتصار على الالتزام بالوزن الواحد وليس القافية، والالتزام. إلى عدة قوافي منظمة، بدلًا من قافية واحدة، بل والتحرر التام من القافية. في بعض الأحيان، ثم في السبعينيات، بدأت الأصوات الأدبية في كتابة قصائد النثر. ومن رواد هذا الأدب الهجين : أمين الريحاني – و[أنسي الحاج]وشوقي أبي شقرا من (لبنان) – وجبرا إبراهيم جبرا – وتوفيق صايغ – وعز الدين المناصرة من (فلسطين) – ومحمد الماغوط من (سوريا) – وسركون بولس – وفاضل العزاوي ومؤيد الراوي من (العراق) – الذي حرر الشعر من الوزن والقافية واستبدله بالموسيقى الداخلية كفئة جديدة إضافة إلى الأنواع الشعرية، ظلت الصورة الشعرية هي الأساس.