بدأ ظهور الجغرافيا السياسية وتطورها منذ زمن طويل حتى وقتنا الحاضر وما زال يتطور أكثر. وسنبين في هذا المقال بداية ظهور الجغرافيا السياسية وتطورها.
مفهوم الجغرافيا
يهتم علم الجغرافيا بدراسة وتحليل الظواهر الطبيعية والبشرية المختلفة. ويتناول جميع العناصر المادية للطبيعة، مثل المناخ والأرض، ويبحث في تأثير التفاعلات المستمرة بين هذه العناصر مع بعضها البعض، أو تلك الناتجة عن الأنشطة البشرية. كما يتناول القضايا الخاصة بالجنس البشري ويدرس المواقع التي تسكنها المجتمعات البشرية. والتغيرات التي تطرأ عليه مكانيا وزمانيا.
الجغرافيا السياسية
يشير مفهوم الجغرافيا السياسية إلى العلاقة المتبادلة الناشئة بين علم الجغرافيا والسياسة وارتباطهما الوثيق ببعضهما البعض. أي أنه علم يهتم بإيجاد علاقة وثيقة بين نشوء موقع جغرافي والعوامل السياسية المؤثرة في أصله ومساحته وجميع العوامل الجغرافية المتعلقة به، ومن أقوى الأمثلة عليه حفر قناة. لقد كان قرار السويس وتأميمه قراراً سياسياً بحتاً. وأدى هذا القرار السياسي إلى تغيير ملموس في منطقة جغرافية ما، وكان اعتبار أثينا إمبراطورية بحرية أحد العوامل الجغرافية التي ساهمت في تحول مكان ما. سياسية بحتة. والأمثلة على ذلك كثيرة حول العالم.
يشير مفهوم الجغرافيا السياسية إلى دراسة الظواهر الموجودة فوق سطح الأرض، بما في ذلك الوحدات والأقاليم السياسية، وما تمتلكه من مقومات لاستمرار وجودها، وما يؤثر على تطورها من حيث الخصائص الجغرافية والسياسية على مستوى العالم. نفس الوقت. وبالإضافة إلى ما سبق فقد قدم بعض رواد الجغرافيا تعريفات مختلفة للجغرافيا السياسية. ولا يقتصر التعريف على مدى تأثير الجغرافيا على السياسة فقط، بل يتعدى ذلك ليسلط الضوء على تأثير كل منهما على الآخر وليس من جانب واحد فقط. هناك العديد من القرارات السياسية التي استطاعت إحداث تغييرات جغرافية في الطبيعة الجغرافية لعدد كبير من المناطق، كما هو الحال مع إنشاء وبناء قناة السويس، والذي جاء بناءً على قرار سياسي بحت.
نشأة الجغرافيا السياسية وتطورها
لا يعتبر علم الجغرافيا السياسية من العلوم الحديثة، إلا أن ظهوره يعود إلى الفترة الزمنية الممتدة ما بين 383-322 قبل الميلاد، وذلك في عهد أرسطو الذي وجه الاهتمام بخطابه إلى مدى تمتع الدولة بسلطتها على أساس ما تمتلكه من موارد طبيعية وعدد السكان وتحقيق التوازن بينهما. كما قدم أرسطو معلومات مهمة حول الوظائف الموكلة إلى الدول والنزاعات المرتبطة بها على الحدود السياسية. كما اهتم ابن خلدون، في الفترة ما بين 1342-1405م، بإيجاد علاقة وثيقة بين الخصائص الجغرافية للدولة وممارساتها السياسية. وأكد بدوره أن الأرض والموارد الطبيعية والسكان من أكثر العوامل المؤثرة على الدولة وسياستها. وتزايد الاهتمام بالجغرافيا السياسية وأفكارها. وفي بداية القرن الثامن عشر في فرنسا تحديداً، ومن هناك بدأت منطقة الاهتمام تتوسع شيئاً فشيئاً.
مجالات الجغرافيا السياسية
يهتم علم الجغرافيا السياسية بمعالجة الجانب السياسي والجغرافي للعالم أجمع. ويعتبر هذا المجال أكثر أجزاء العالم تعقيداً بسبب التجزئة المحددة بوضوح لسطح الأرض وتقسيمها إلى عدد من الوحدات السياسية، ويكمن التفاوت بينها من حيث المساحة وحجم السكان، ولها عدة فروع ويتفرع منه علم، وأهمه الجغرافيا السياسية، ولكن هناك اختلاف في موضوعات كل منهما. بالإضافة إلى ذلك، تهتم الجغرافيا السياسية بضرورة مواكبة أحدث مظاهر التحول الذي يحدث داخل الوحدات السياسية، سواء من حيث السكان أو الموارد أو العلاقات الدبلوماسية بين الدول. وبناء على ما سبق، فهو يرتبط ارتباطا وثيقا بمختلف أنواع العلوم الأخرى، سواء كانت طبيعية أو حضارية أو اقتصادية. كما تسعى الجغرافيا السياسية إلى تقديم مختلف الخصائص المخفية وتوضيحها أمام السياسات، ووضع وصف دقيق للخريطة السياسية العالمية في شكل خطاب سياسي ثقافي يتعلق بالجغرافيا. تعتبر الجغرافيا السياسية من العلوم الأكاديمية الناشئة حديثاً، ويعود الفضل إلى الألمان في إنشائها عام 1897م، حيث قدمها الجغرافي الألماني فريدريش راتزل بالتفصيل في كتابه تحت اسم الجغرافيا السياسية. ويتضمن الكتاب مفاهيم مختلفة تتعلق بالموضوع، مثل جغرافية المستعمرات، وجغرافية الانتخابات، والأمة. والقومية.
أهمية الجغرافيا السياسية
وتتمثل أهمية علم الجغرافيا السياسية في ما يلي: علم يتفرع من فروع الجغرافيا البشرية. تسليط الضوء على الوحدات السياسية وكل ما يتعلق بمسألة تطورها ووجودها والمكونات التي تعتمد عليها. مراعاة العناصر الجغرافية عند تفسير خصائص ومميزات الوحدات السياسية سواء من حيث الاستقرار أو القوة أو حتى التفكك. وضع الأنظمة السياسية تحت مجهر الدراسة، وبحث العلاقة التفاعلية بين السياسة والجغرافيا في المكان. تناول كافة الأنماط السياسية السائدة حول العالم، وهو أمر معقد نظرا لمساحة واسعة ومقسمة إلى عدة وحدات سياسية. متابعة أحدث مظاهر التحول الجغرافي في الوحدة السياسية. التحليل الدقيق للقوى الجغرافية السائدة في الوحدة السياسية، سواء كانت اقتصادية، أو ثقافية، أو طبيعية.
علاقة الجغرافيا السياسية بالعلوم الأخرى
يرتبط علم الجغرافيا السياسية بعلاقة وثيقة مع عدد من العلوم الأخرى أهمها العلوم السياسية والتاريخ. ومن الجدير بالذكر أن العلوم السياسية جزء لا يتجزأ من علم الجغرافيا السياسية، حيث ترتبط بعلاقة وثيقة مع كل من المذاهب السياسية، والعلاقات الدولية، والجماعات والأحزاب والمؤسسات والحكومات والمناطق التي توجد في الدولة. . وهو بدوره يلقي الضوء على الدساتير والقوانين والقرارات السياسية السائدة، وهذا لا يمكن أن يتم دون الاهتمام بالبيئة الجغرافية لكل بند، أما علاقة التاريخ بالجغرافيا. سياسي؛ يقسم التاريخ نفسه إلى ثلاثة عناصر أساسية هي الزمان والمكان والإنسان نفسه. وتشترك هذه الأبعاد مع الجغرافيا السياسية في عنصري الإنسان والمكان، إذ أن الأحداث التاريخية للعنصر البشري تدور في مكان أو مكان معين يسجله التاريخ وغالباً ما ترتبط بأحداث سياسية بحتة.