الأدب المقارن في هذا المقال الرائع نقدم لكم كل ما يتعلق بالأدب المقارن وتعريفه وأصوله، كل ذلك في هذه السطور التالية.
الأدب المقارن
الأدب المقارن هو علم الانتقال من بلد إلى آخر، ومن لغة إلى أخرى، ومن شكل من أشكال التعبير إلى آخر. وهو فن منهجي يبحث عن علاقات التشابه والقرابة والتأثير. كما تسعى إلى التقريب بين الأدب ومجالات التعبير والمعرفة الأخرى، وكذلك التقريب بين الظواهر والنصوص الأدبية، سواء كانت متباعدة أم لا، في الزمان والمكان. ولكن بشرط الانتماء إلى لغات وثقافات متعددة من أجل الوصول إلى وصف أدق، ومن أجل فهمه وتذوقه بشكل أفضل. عرف الناقد الأمريكي هنري راماك الأدب المقارن بأنه: “الأدب المقارن هو دراسة الأدب خارج حدود بلد معين، ودراسة العلاقات بين الأدب من جهة ومجالات المعرفة والاعتقاد الأخرى من جهة أخرى، مثل كالفنون (مثل الرسم والنحت والعمارة والموسيقى) والفلسفة والتاريخ والعلوم الاجتماعية. (مثل السياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع) والعلم والدين وما إلى ذلك. وباختصار هو مقارنة أدب معين بأدب آخر أو آداب أخرى، ومقارنة الأدب بمجالات التعبير الإنساني الأخرى.
كما أن مصطلح (الأدب المقارن) ليس دقيقاً في معناه، لأن الأدب المقارن هو منهج دراسة وليس أدباً إبداعياً، والصواب أن نقول في المصطلح هو: (دراسة الأدب المقارن) أو ما شابه ذلك من المصطلحات، لكن مصطلح (الأدب المقارن) أصبح منتشرا وشائعا. بين الباحثين لخفته وسهولته.
وقد لخص موريس فرانسوا غيارد في بداية عمله كمتخصص في الأدب المقارن عام 1951 مفهوم الأدب المقارن بتسجيله “تاريخ العلاقات الأدبية الدولية، ليبين لنا أن أجمل النجاحات المحلية تعتمد دائما على أساسيات أجنبية”. أما عن تاريخ الأدب العام، أكد فان تيغيم أنه يعني توحيد تاريخ الآداب المختلفة: فالأدب المقارن ينسج تفاصيل تاريخ الأدب بطريقة أكثر عمومية وشمولية بين الأعمال الأدبية المختلفة. ومن هنا نشأ مفهوم كلمة “الأدب العام”. نشأ الأدب المقارن في فرنسا في أوائل القرن التاسع عشر، ويعتبر عصر القوميات التي ارتبطت بأهمية التاريخ والتي أولت التراث والفولكلور اهتماما خاصا. تعتبر لو غلوب صحيفة أدبية تأسست عام 1824 وتعبر عن النقد. كما ابتكر جوته قائلاً: أحب تعلم الأدب الأجنبي وأنصح كل إنسان أن يسعى لتعلمه بنفسه. وتزامن ظهور الأدب المقارن مع الأدب الليبرالي الوطني المنفتح الذي تطور من خلاله النقد الفرنسي المحترف، كما مهدت العلوم الطبيعية للمقارنة بين الظواهر المشابهة. الأدب المقارن هو فرع من فروع العلوم يتم من خلاله دراسة الأدب الوطني من حيث تأثيره أو تأثيره على الآداب الوطنية الأخرى. وكفرع من فروع العلم فإنه يخرج من مجال الإبداع الأدبي إلى مجال دراسة الإبداع الأدبي.
كان كوفين هو من أعطى المقارنة في العلوم الطبيعية معناها الحقيقي من خلال أطروحته “التشريح المقارن” (1800-1805). والحقيقة أن الأدب المقارن ولد في 12 مارس 1830 في مرسيليا في الجامعة الحرة المعروفة (أثينا)، حيث كانت تدرس الأفكار الليبرالية تحت غطاء الفنون والعلوم. تحدث جان جاك أمبير في خطبته الافتتاحية لمحاضراته العامة في جامعة أوروبا عن التاريخ المقارن للآداب والفنون بين جميع شعوب الأرض، بعنوان الأدب الفرنسي وعلاقته بالآداب العالمية في العصور الوسطى، عن الأدب المقارن الدراسات التي بدونها لا يكتمل التاريخ الأدبي. ويعتبر فيلمان وشالز من رواد الأدب المقارن، إلى جانب جان جاك أمبير. استخدم فيلمان في المقدمة مصطلح الأدب المقارن لأول مرة، حيث قال إنه يريد أن يبين بالمقارنة أن ما يدين به الفكر الفرنسي إلى الآداب الأجنبية.
كما لخص شال، بمناسبة محاضرته الافتتاحية في 17 يناير 1835، أهداف “الآداب الأجنبية المقارنة”. كما اقترح تشال تشال عدم الفصل بين تاريخ الأدب وتاريخ الفلسفة، وكذلك تاريخ السياسة. كما أراد تسجيل تاريخ الفكر وشرح تأثير وتأثير الأمم المختلفة على بعضها البعض. تحت رعايته، تأسست La Revue du Nord.
لكن رغم ذلك لم تعترف الجامعة الفرنسية بالعلم الناشئ. تم تدريس الأدب المقارن في محاضرات بعنوان الأدب الأجنبي المقارن. ويعتبر المؤتمر الدولي للأدب في باريس يوم 16 يونيو 1878 أول اجتماع ترأس جلسته الكاتب الشهير فيكتور هوغو وتورجنيف الكاتب الروسي. وقد دعمت جهود المتخصصين في تاريخ الأدب الفرنسي جهود رواد الأدب المقارن، وأخيرا ظهر كجزء من تاريخ الأدب في المدرسة الثانوية، حيث قام برونيير بتدريس الأدب المقارن من 1890-1891.
يعرف مجال الأدب المقارن اتجاهين أساسيين: الأول يمثله تاريخيا المدرسة الفرنسية، أما الثاني فهو اتجاه المدرسة الأمريكية، وكان ذلك بعد مؤتمر “تشابل هيل” الذي عقد عام 1958 والذي شارك فيه روني ووجه ويلك انتقادات حادة للمدرسة الفرنسية، رافضًا إغراقها في تتبع حقائق التأثير والتأثير دون الالتفات إلى النص نفسه.
مدارس الأدب المقارن
المدرسة الفرنسية
وقد تم ربطه بالمنظور التاريخي للأدب، حيث ينظر طلاب الأدب إلى الأعمال الأدبية على شكل أعمال منتظمة في نمط تاريخي، ويطبقون فئات التاريخ وفلسفته وأساليبه في دراستهم الأدبية. تبدأ هذه الأقوال بمقولة (النسبية الزمانية والمكانية)، أي أن لكل زمان ومكان تقاليد وأذواق ومعايير وعادات وأنظمة سياسية واقتصادية واجتماعية تحكم هذا المكان والزمان. ومن ثم فإن هذه التقاليد والأذواق والمعايير تتغير مع مرور الزمن واختلاف الأماكن، وبناء على ذلك؛ عند دراسة العمل الأدبي لا بد من العودة إلى فضاءه الزماني والمكاني، وعدم تفسيره أو الحكم عليه بعيون عصرنا الحاضر، بل بعيون معاصريه.
ثم تأتي فئات التاريخ الأخرى التي يطبقها أصحاب المدرسة الفرنسية، مثل: السببية، ونشوء الظواهر الأدبية وتطورها، واليقين، وهو ما يهم العمل الأدبي في توثيقه.
ومن أشهر شخصيات المدرسة الفرنسية: فان تيغيم، وفرانسوا غويارد، ورينيه إيتامبل.
المدرسة الأمريكية
ولعل أبرز قادتها هو رينيه ويليكه الذي يرى ضرورة دراسة الأدب المقارن كله من منظور عالمي، ومن خلال الوعي بوحدة التجارب الأدبية والعمليات الإبداعية. أي أنه يرى أن الأدب المقارن هو الدراسة الأدبية المستقلة عن الحدود اللغوية العرقية والسياسية، ويعيب المدرسة الفرنسية على اقتصار الأدب المقارن على المنهج التاريخي، بينما تتوسع الرؤية الأمريكية لتربط بين المنهج التاريخي والمنهج النقدي. المنهج، لأنهما عاملان ضروريان في الدراسة المقارنة.
المدرسة الروسية أو السلافية
ويعتبر الاتجاه الروسي أو السلافي أو ما يسمى بالمدرسة الروسية أو السلافية، والذي ظهر في روسيا ودول أوروبا الشرقية الاشتراكية، من المدارس المهمة في الأدب المقارن، وهي مدرسة مبنية على أساس أيديولوجي.
وله رؤية شاملة للكون والمجتمع والثقافة والأدب، ويرى “أن هناك علاقة جدلية بين القاعدة المادية أو البنية التحتية للمجتمع، والبنية الفوقية، وأهم مكوناتها الثقافة والأدب”.
المدرسة الروسية أو السلافية للأدب المقارن المبني على الفلسفة هي مدرسة ذات نظام ثقافي يختلف عن مفاهيم المدرستين السابقتين. الفرنسيون والأمريكيون، في مفهومهم للأدب المقارن، وكذلك في المجالات التي تدخل في مجاله.