ونتحدث عن مجالات الاجتهاد وضوابطه من خلال مقالتنا. ونذكر لك أيضًا مجموعة متنوعة من الفقرات المميزة الأخرى، مثل شروط المجتهد المطلق، وتعريف المجتهد المطلق، والاجتهاد بين العصرين. اتبع السطور التالية.
مجالات الاجتهاد وضوابطه
1- مجالات الاجتهاد:
ويتسع مجال الاجتهاد ليشمل كافة جوانب الحياة المعاصرة دون استثناء، ولكن يمكننا أن نضع الاجتهاد المعرفي في مقدمة الأولويات حاليا. ونظراً لتزايد الحاجة إليه، خاصة مع تغير أنماط الحياة وظهور الاكتشافات العلمية والمعرفية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية عبر كل العصور السابقة، فقد أصبح لزاماً على المسلمين أن يبذلوا قصارى جهدهم. والطاقة للحاق بهذه الثورة العلمية الفخمة، ولن يتم ذلك إلا بالتعليم الجيد. أرقى المناهج تغرس في نفوس الطلاب شغف الاجتهاد والإبداع مع توفير مراكز حاضنة لأصحاب الذكاء والعبقرية.
2- ضوابط الاجتهاد:
وقد وضع العلماء عدداً من الضوابط لممارسة عملية الاجتهاد، منها:
1- ألا يتعارض الاجتهاد مع أصل من أصول الشريعة، أو مع قاعدة من قواعدها المتفق عليها.
2- اعتبار البحث العلمي عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى.
3- القراءة باسم الله تعالى، وذلك بالجمع بين النظر والتدبر في الكتاب المسطور والكتاب المرئي.
4- توحيدية الخالق الذي أنزل القرآن وخلق الأكوان، إذ ينبغي أن يتجه البحث نحو ما يؤكد وحدانية الله تعالى وإبراز حكمته.
شروط الاجتهاد المطلق
ويجب على المجتهد المطلق أن تتوفر فيه ثلاثة شروط: (العالمية – والتسامح المطلق – والواقعية العلمية)، والتي سأستعرضها لكم بشيء من التفصيل:
1- الواقعية العلمية
ويعني أن يعرف الفقيه والمجتهد حقائق العلم الحديث، ولا يحارب تلك الحقائق بناء على تفكيره الديني والمذهبي. الأصل هنا أن يكون الإنسان المجتهد حيادياً إيجابياً تجاه العلم… أي إذا كان مهتماً باكتشاف العلوم ودراسة بعض هذه الحقائق بحسب قدراته المعرفية، فلا ينبغي له أن يسارع إلى الإنكار أو اتخاذ موقف. . عدوانياً، هنا يقع المجتهد فريسة للعقيدة، التي تخرجه من حالة الإبداع والحرية المطلقة التي كان يتمتع بها، ليعود إلى ما كان عليه، مجرد فقيه ومقلد في المذهب. فيجب على الفقيه إذن أن يدرس علوم العصر من منظور إيجابي، ولا يضطر إليه لمجرد انحيازه وميوله الشخصية. وإذا لم ينجح في فهم هذه العلوم فلا ينبغي له أن يشجعها ويحترم المتخصصين فيها. ولم يبعث الله الدين ليعلم الناس كيفية عمل الأرض والمواد وخواص العناصر والمركبات…الخ. ومن وظيفة العقل أن يرى هذه الأشياء حسب الزمن.
2-عالمية
وهذا يعني أن علم الفقيه وعلو عقله يصلان إلى مستوى العالم دون تمييز، فيكون اجتهاده في مصلحة ليس المسلمين فقط، بل أيضا المسيحيين واليهود، الملحدين وغير المتدينين، سنة وشيعة وإباضيين وغيرهم. ويجب على الجميع أن يحصلوا على مساحة خاصة بهم في ذهن الفقيه، ليس من باب التنافس والإنكار، بل من باب التنافس والإنكار. ومن أجل التوضيح والتواصل والحفاظ على الأرواح والمصالح، فهذا يعني أن الإنسان المجتهد المطلق يجب أن يكون ملماً بمقارنات الأديان والمذاهب وأن يكون لديه المعرفة الكافية. ومع التاريخ والفلسفات الحديثة ومجموعة واسعة من الأدبيات الشعبية وثقافات الشعوب المختلفة يتحقق شرط ذلك التواصل من حيث معرفة الأشياء، وكما ترون فإن ذلك الشرط صعب للغاية، إن لم يكن مستحيلا، بالنسبة حصل الفقيه في ذلك الوقت على عوامل مختلفة، منها قبح العقل، والعزلة، وخضوع المؤسسات الفقهية الدينية للسلطة السياسية. .
3- التسامح المطلق
وهو هدف تنوير الذات وإضاءة النفس بمشاعل الحب والتواصل كأساس للمعرفة والاجتهاد. فالمجتهد الذي ليس متسامحاً ليس مجتهداً، ومن يكون متسامحاً جزئياً ليس مجتهداً أيضاً، مثل تسامح بعض المسلمين مثلاً مع المسيحية دون الشيعة، والعكس صحيح. وهذا ليس تسامحا، بل هو مصالح خاصة لفصيل وجماعات. وكذلك إذا خرج إمام يحرض على طوائف أو أحزاب معينة، فيوصف ذلك الإمام بالمجتهد، وهو (نوع من المزاح) الشائع جداً في التراث الإسلامي وقد تشبعت به عقلية الفقهاء، فيقولون لكل من أخطأ في دينه ومذهبه إنه «مجتهد»، حتى ألصقوا تسمية الاجتهاد بمجرمي الحرب والقادة والحكام الذين أبادوا قرى بأكملها على الأرض. بحجة أن ما فعلوه كان اجتهادا، ولكنه “خطأ” على حد زعمهم. وقد أدى هذا الاستهزاء إلى تشويه الاجتهاد نفسه وإنكار أهم الأمور. من صفات الشخص المجتهد التسامح.
تعريف الاجتهاد المطلق
والمجتهد المطلق هو من وصل إلى مرتبة الاجتهاد المطلق، أي: الاجتهاد في جميع أحكام الشرع. لقبه ابن عابدين: (العالم المجتهد في الشريعة)، بشروط محددة تؤهله للوصول إلى هذه الدرجة العلمية، وتمكنه من الاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية بكفاءة عالية وقدرة كاملة على ممارسة الاستدلال. قال السيوطي: المجتهد المطلق ليس مرادفا للمجتهد المستقل، بل بينهما فرق، وهذا الفرق يظهر من خلال ما يفعله المجتهد من التطبيق الفعلي للاجتهاد، وممارسة الاستدلال واستنباط الاجتهاد. الأحكام، ومن خلال المنهج أو الطريقة المتبعة في الاجتهاد، والقواعد والمبادئ التي يعتمد عليها في عمله. الذي – التي. والاجتهاد المطلق بالنسبة للمجتهد هو الوصف أو الدرجة العلمية والكفاءة والأهلية لمن تتوفر فيه الشروط، ومن تتوفر فيه شروط المجتهد المطلق يمكن أن يكون مستقلا أو تابعا. وقد ذكر العلماء كابن الصلاح والنووي وغيرهما أن هناك فرقا بين مراتب المجتهدين، وأنه منذ زمن طويل ضاع المجتهد المستقل، ولم يبق إلا المجتهدون المنتسبون إلى المذاهب. ، وقرروا أن المجتهدين أنواع: المجتهد المطلق المستقل، والمجتهد المطلق المنتسب إلى إمام من الأئمة، كالتابعين للأئمة الأربعة. الأئمة. والمجتهد المقيَّد. ففقد النوع الأول من القرن الرابع الهجري، ولم يبق إلا النوعان الآخران: المطلق، والمرتبط، والمقيد. قال السيوطي: وممن قال بذلك أيضاً من أصحابنا ابن برهان في الوجيز، ومن المالكية ابن المنير، وذكر السيوطي عباراتهم وعبارات غيرهم في كتاب الرد على الرجل. “المنحو العمل” في الأرض.
الاجتهاد بين عصرين
لقد مرت الأمة بفترة رأى فيها العلماء أن الأحكام الشرعية قد أشبعت البحث، وأن الفقهاء تناولوا موضوعات الكتاب والسنة – وخاصة فيما يتعلق بمسائل العبادات وما هو حلال وحرام. – بالدراسة والتحليل والقياس. فلم يتركوا بابًا إلا طرقوه، ولا مسألة إلا قلبوها بكل الطرق الممكنة، وقرروا بناء بيت، ولذلك أغلق باب الاجتهاد، ولم يعد شيء أكثر إبداعًا مما كان ممكنًا، وأصبح أولًا لم يترك شيئًا للأخير! وكان الذي دفعهم إلى هذا المذهب هو خوفهم من المتطفلين على علم الشريعة، لئلا يعبثوا بها بحجة الاجتهاد. وماذا يستنتجون مما أغفله القدماء؟ وهذه المقولة سارية المفعول منذ قرون لم يكن فيها ادعاء القدرة على الاجتهاد تهمة تافهة، وكان صاحبها -القادر على الأقل- عرضة للاحتقار والاستهجان. وقد أذعن العلماء لهذا المنهج ورفضه آخرون، ومنهم الإمام السيوطي الذي رأى أنه لم يكن إنساناً مجتهداً فحسب، بل كان أيضاً مجدّداً من القرن العاشر، وكتب ألف رسالته الشهيرة “الرد على هؤلاء” الذي نزل إلى الأرض ونسي أن الاجتهاد واجب في كل عصر». وقبل السيوطي وبعده خرج على القاعدة كثير من العلماء. اتخذ القرار ودخلوا ميدان الاجتهاد لأنهم امتلكوا أدواته وشعروا بحاجة الأمة إليه.
ونذكر منهم ابن تيمية قديماً والشوكاني قديماً، وكان بينهم ومن بعدهم نجوم مرشدون من المجتهدين الأقوياء الذين لم يخلو زمان ولا مكان في بلاد المسلمين، حتى استلهمت الأمة الخطوبات والخطابات. جاءت عليها الهجمات من الداخل والخارج، تضربهم في حياتهم السياسية والثقافية، فامتد الركود إلى العقول وكانت العلوم الشرعية من بين أول ما أثر على المشكلة هو الإغلاق الفعلي لمجال الشريعة. الاجتهاد، وكسر الفقهاء مغزلهم. وتركوا الفحص العلمي والخوض في آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، واكتفوا بكتابة التعليقات والحواشي على نصوص كادت أن تحل محل القرآن والسنة. السنة في النظر والتدبر. وامتدت هذه الفترة وأججها الاحتلال الأجنبي للدول الإسلامية حتى بداية القرن العشرين تقريبا، حيث بدأت الأصوات ترتفع تطالب بالعودة إلى الاجتهاد لمواكبة العصر وإنقاذ الأمة من مخاطر الانهيار الذي أحدثه التقليد. تنذرات انتشرت وكبتت وسدت آفاق النهضة والنهضة، وبدأت الروح تنتشر على استحياء في ساحات العلوم. الشرعية، ورغم مقاومة الأنصار القدامى، إلا أن العلماء هنا وهناك تجرأوا على الرجوع مباشرة إلى مصادر التشريع لاستنباط الأحكام للحقائق الجديدة، وظهرت أسماء لامعة مثل محمد أبو زهرة، المراغي، علي. وكان الخفيف، ومحمد محمد المدني، ومحمود شلتوت، وغيرهم في أكثر من بلد إسلامي، روادا في إحياء الاجتهاد وممارسته بعد تراجعه.